18. ديسمبر 2025

تزوير العملات الرومانية علميًا في توبنغن

في جامعة توبنغن، تعاون عدد من الباحثين عام 2024 مع الحداد ألكسندر زيمرمان من بليزهاوزن في دراسة تزوير العملات بأسلوب علمي، بهدف معرفة كيفية تزوير النقود في الإمبراطورية الرومانية القديمة. وشارك في هذا المشروع متعدد التخصصات علماء من مجالات علم العملات، والآثار، وعلم المعادن.
في عصر الإمبراطورية الرومانية، كانت الدولة تصك عملة فضية تُسمّى الدينار، وكان يعادل تقريبًا أجر عامل ليوم واحد. وكان نطاق تداول الدينار أوسع من نطاق اليورو الحالي؛ إذ امتدت الإمبراطورية الرومانية من بريطانيا شمالًا إلى تونس جنوبًا، ومن إسبانيا غربًا إلى سوريا شرقًا.
في أوائل القرن الثالث الميلادي، خفّضت الدولة نسبة الفضة في الدينار بشكل كبير، ولاحظ الناس ذلك في تلك الحقبة أيضًا. وربما كرد فعل على هذا التخفيض في القيمة، بدأت تُصنَّع عملات مزوّرة في أرجاء الإمبراطورية، تحاكي شكل الدينار الفضي، لكنها كانت في الواقع مصنوعة من مزيج من النحاس والقصدير يُعرف باسمسبيكة. وقد نجح فريق جامعة توبنغن في إعادة بناء عملية تصنيع هذه العملات لأول مرة.

غلاف العملة المكسور بعد الصب. يمكن رؤية مجموعة قوالب الصب. الصورة: ريبيكا ساندبيشلر، معهد الآثار الكلاسيكية، جامعة توبنغن.

صنع القوالب باستخدام العملات الحقيقية

لإنتاج الدنانير المزوَّرة، كان المزوِّرون في العصور القديمة يصنعون أولًا قوالب صغيرة، وهو ما تثبته العديد من الاكتشافات الأثرية في أنحاء الإمبراطورية الرومانية. وكانت هذه القوالب عبارة عن أقراص صغيرة من الطين، يُضغط عليها وجها القطع النقدية الحقيقية قبل أن تجف تمامًا. وفي الإنتاج المتسلسل، كان يمكن تصنيع مجموعات كاملة من هذه الأقراص الفخارية المطبوعة.
للصب أثناء عملية السبك. وبعد أن تجف القوالب، تُزال العملات بحذر، فتتكوَّن بذلك غرف السبك الفعلية بنقشٍ سلبي للعملة، يُصب فيها المعدن لاحقًا. ثم تُحرق القوالب في الفرن. وخلال الحرق، ينكمش الطين، فتتقلص القوالب بنسبة تقارب 10%، ولذلك تكون العملات المزوَّرة الناتجة عن عملية الصب أصغر حجمًا من العملات الأصلية.
وقبل البدء بعملية الصب الفعلية، يجب ترتيب القوالب وتجميعها. ولهذا الغرض، كانت تُجمع ثلاث مجموعات من القوالب، بحيث يكون النقش في المنتصف، وتُغلَّف بالطين الخشن، كما تُظهر الاكتشافات الأثرية. وبذلك تتشكل قناة صب عمودية في مركز المجموعات الثلاث. كما أُدرجت عناصر حرارية في الترتيب التجريبي من أجل تسجيل مسار درجات الحرارة أثناء العملية.

قوالب محطمة وعملات معدنية مصبوبة كمنتجات نهائية. الصورة: ريبيكا ساندبيشلر، معهد الآثار الكلاسيكية، جامعة توبنغن.

النحاس والقصدير بدلًا من الفضة

استخدم المزوِّرون القدماء خليطًا من النحاس والقصدير مادةً معدنيةً أساسية. وبنسبة تقارب 30% من القصدير و70% من النحاس، بدا الناتج النهائي فضيّ اللون مائلًا إلى الرمادي الفولاذي، وهو ما يجعله مناسبًا تمامًا لتقليد العملة الفضية الأصلية. وفي المشروع البحثي، صُنعت هذه السبيكة، التي تنصهر عند درجة حرارة تتجاوز 1000 درجة مئوية، باستخدام فرن صهر كهربائي لأسباب عملية. أمّا في العصور الرومانية، فقد كانت معالجة المعدن في هذه المرحلة تمثل تحديًا كبيرًا للمزوِّرين، إذ لم يكن بمقدور الجميع بلوغ هذه الدرجة العالية من الحرارة، بل كان ذلك يتطلب معرفة فنية متقدمة وخبرة عملية واسعة.
وفي تجربة توبنغن، تبيَّن أن القوالب الطينية، بما فيها الغلاف الخارجي، يجب تسخينها جيدًا قبل صبّ المعدن المنصهر الذي تبلغ حرارته نحو 1000 درجة مئوية؛ لأن ذلك يمنع تبخّر الرطوبة المتبقية أثناء الصب، ويؤدي إلى الحصول على قوالب أنظف وأدق. وبعد أن تبرد القوالب، يمكن كسر الغلاف وتحطيم قوالب الصب للوصول إلى القطع المعدنية، ثم تُفصل العملات بحذر.

عملة مزيفة. الصورة: ريبيكا ساندبيشلر، معهد الآثار الكلاسيكية، جامعة توبنغن.

إعادة تدوير المسكوكات المزوَّرة غير الناجحة

ظهرت على بعض المسكوكات التي صُبَّت بنجاح طبقاتُ أكسدة ملوَّنة بالبنفسجي والذهبي والأزرق، ناجمة عن التبريد السريع. ومن المحتمل أن تكون مثل هذه التأثيرات قد ظهرت أيضًا على مسكوكات العصور القديمة.
وعلى الرغم من المعالجة اللاحقة، فقد تبيَّن أن أكثر من 50% من القوالب في التجارب لم تكن صالحة، ولم يكن يمكن قبولها في التعامل اليومي على أنها عملات حقيقية، ولم يكن الوضع مختلفًا في العصور القديمة. ولهذا السبب، أُعيد تدوير القوالب غير الصالحة، ولذلك لا نجدها عادةً في الحفريات الأثرية.
تبيّن إعادة البناء العملية في تجربة توبنغن أن صبّ العملات الرومانية كان عملية تقنية معقَّدة تتطلب معرفة متخصصة في كلٍّ من علم المعادن وتقنيات الخزف (السيراميك)، وهو ما يدلّ على وجود ورش متخصصة وحرفيين ذوي خبرة عالية. كما تُظهر التجربة أنه كان من الممكن إنتاج عدد كبير من العملات خلال يوم واحد، وأن تزوير العملات كان، على الأرجح، نشاطًا مربحًا للغاية.
Youtube – Wie die Römer Münzen fälschten

شتيفان كرمنيك

tun25112403

www.tuenews.de/ar