28. سبتمبر 2025

توفولك: موسيقى من العالم تُعزف معاً في توبينغن

بقلم: ناصر سری‌کشکاویج
“باتارا بيتشي دامكراغا” هي الجملة الأولى في أغنية فولكلورية جورجية. معناها: “ضاع صبي صغير”. عندما تغنيها مايا، يحمل صوتها حنيناً ووضوحاً في آن واحد. هي أغنية عن البحث. عن شخص ما، عن شيء ما، عن طفل، عن مكان، وربما عن الذات أيضاً. تبدأ في جورجيا، ولكن عندما تتردد أصداؤها بين جدران غرفة التدريب الخشبية في توبينغن، تتحول إلى أغنية عنّا جميعاً
بالنسبة للكثير من العازفين الحاضرين، تبدأ في توبينغن مرحلة جديدة من حياتهم. لكن في مساء يوم جمعة خلال تدريبات توفولك، قد يشعر المرء أنه في أي مكان. أو في كل مكان. يصل الناس حاملين آلاتهم الموسيقية: العود، الكمان، الأكورديون، الطبلة، اليوكوليلي. التحيات تأتي بعدة لغات: الألمانية، الإنجليزية، الإسبانية، الإيطالية، الكردية، العربية وغيرها. لا يوجد بدء رسمي، فالموسيقى تتكوّن بنفسها وتبدأ في التدفق

دائرة بلا حدود
توفولك مجموعة موسيقية مفتوحة للموسيقى الشعبية من مختلف أنحاء العالم. ليست فرقة محترفة، بل دائرة متنامية. يقودها كريستوبال ومايا. كريستوبال من منطقة فالبارايسو الساحلية في تشيلي، ويعيش في ألمانيا منذ عشر سنوات ويعمل في مجال الموسيقى. أما مايا، فهي من جورجيا، جاءت إلى برلين كطالبة ولا تزال جذورها متصلة بتراث الموسيقى الجورجية
أبواب المجموعة مفتوحة للجميع. لا اختبارات قبول. لا توقعات محددة. هناك فقط رغبة مشتركة في العزف والغناء معاً من مختلف الثقافات. يقول كريستوبال: “الموسيقى وسيلة رائعة لفهم الآخرين بشكل أفضل. في النهاية، هي لغة نحاول بها إدراك أشياء يصعب شرحها بالكلمات”

تقول مايا: “كأجنبية يتم استقبالها في بلد جديد، هذا شيء يلمسني كثيراً. عندما تجلب شيئاً من ثقافتك وفجأة يشاركونك الآخرون الغناء أو العزف عليه، يُصبح شيئاً شخصياً يُشارك. هذا شيء قوي. ثمين جدا
تجري البروفات أسبوعياً، وتبني المجموعة ذخيرة موسيقية من ثقافات متعددة، أحياناً بمساعدة مرشدين ضيوف يأتون من خلفياتهم الخاصة ويحملون معهم تراثاً موسيقياً مميزاً. هؤلاء المرشدون خضعوا لتدريب يتيح لهم تعليم الموسيقى بالسمع فقط، دون استخدام النوتة المكتوبة، حتى تكون التجربة أكثر انفتاحاً وشمولاً
تقول مايا: “نريد أن يُعلّم الناس مقطوعات من ثقافتهم. أنا شخصياً لا أدرّس شيئاً لا ينتمي إلى منطقتي”. وتضيف: “لأن في ذلك فرقاً حقيقياً. الأمر يتعلّق بالإجابة عن أسئلة وتحويل أشياء إلى شيء جديد”

بيت بين النغمات
هذا النهج ليس تعليمياً فقط، بل يحمل أيضاً بعداً شعورياً عميقاً. بالنسبة لسيسيليا، وهي عالمة فيزياء من جنوب إيطاليا انضمت إلى المجموعة بعد حفل موسيقي في ديسمبر، جلبت توفولك معها إحساساً غير متوقع: إحساس بالانتماء. تقول: “عندما وصلت إلى توبينغن، لم أكن أعرف أحداً. حاولت التعرّف إلى الناس، لكن الأمر كان صعباً. توفولك غيّرت هذا. المجموعة ليست فقط دولية، بل محلية أيضاً. هذا المزيج مميز جداً”
هذا الشعور بالجذور يظهر مراراً. بالنسبة لريمون، الطالب المصري البالغ من العمر 29 عاماً والذي يدرس الآن علم الأعصاب، كانت توفولك نقطة تحوّل. يقول: “لم أعزف أمام الآخرين من قبل. لكننا كنا نكرر لأنفسنا دائماً: أن نُخطئ لا بأس به. وهذا ما حرّرنا كي نستمتع”. ريمون يعزف على آلة العود، وهي خطوة لم تكن سهلة في بلده. “حمل آلة موسيقية كان شيئاً يحمل وصمة اجتماعية. لكن في مرحلة معينة قلت لنفسي: لن أختبئ بعد الآن”

تنشأ في توفولك جماعة تبني القرب، وأحياناً الشفاء. كما تصفها سيسيليا: “هو مكان يمكن أن تشعر فيه بالانتماء، حتى لو كنت هنا لفترة قصيرة فقط”

بين التدريبات والواقع
ورغم كل هذا، ليس من السهل إبقاء الأمور قائمة. التمويل يمثل تحدياً دائماً. يقول كريستوبال: “لو توفرت لدينا موارد أكثر، لتمكّنا من دفع أجور للمرشدين. وجود مكان ثابت للتدريب أيضاً مهم. ونرغب في دعوة ضيوف من خارج المدينة ممن يحملون تقاليد موسيقية خاصة”
كما يطمحون إلى إنشاء أرشيف موسيقي. “قمنا بتسجيل حفلين على الأقل. لكن لنتمكن من نشرهما نحتاج إلى فني صوت لمعالجتهما بشكل مناسب”
رغم التحديات، يسود جو الفرح في التدريبات. الأجواء مرتجلة، نابضة بالحياة، وأحياناً مؤثرة بعمق. لا يوجد قائد دائم. قيادة الأغاني تتبدل من أغنية لأخرى. الجميع يعلّم، والجميع يتعلّم

ذاكرة وحركة وأغانٍ تسافر
هذا التفاعل بين الذاكرة والموسيقى يقع في صميم توفولك. الأمر لا يتعلّق فقط بالعروض. بل بمشاركة شيء قد عُيش فعلاً. الأغاني الشعبية نادراً ما تكون مجرد ألحان. هي حاملة لحكايات وهوية. وعندما تُغنى في دائرة من أشخاص يتعرفون على بعضهم البعض للتو، يحدث تحوّل ما
في الثامن والعشرين من مارس، وأثناء حفل في أحد المراكز الثقافية المحلية، قدّمت سيسيليا أغنية من دون أن تذكر اسمها. لماذا؟ قالت: “ما أحبه في الأغاني الشعبية هو أنها تتغيّر. لا يوجد امتلاك جامد لها. يمكن لنفس اللحن أن يحمل معنى جديداً حسب السياق”. كانت الأغنية “بيلا تشاو”. وشرحت كيف تحوّلت من تهويدة إلى نشيد احتجاج ضد الفاشية. كذلك هي توفولك. الأغاني تسافر عبر الزمن وتولد من جديد في أماكن جديدة
ولمن يرغب في الانضمام، الأمر بسيط. تقول مايا: “فقط تعال وقدّم نفسك”. تُجرى البروفات كل يوم جمعة في “فيشته هاوس”، شارع هيرنبيرغر 40 في توبينغن. وتستعد المجموعة حالياً لحفل صيفي في الحادي عشر من يوليو خلال مهرجان مدينة توبينغن
وربما، في ذلك اليوم، تُغنّى من جديد تلك الأغنية الجورجية التي تبدأ بـ “باتارا بيتشي دامكراغا…” ضاع صبي صغير ولكن هنا، في توفولك، هناك من ينادي باسمه
للتواصل ومعرفة المزيد عن توفولك
TüFolk – Klangfolk e.V. Tübingen

tun25042206

www.tuenews.de/ar